17 - 07 - 2024

إيقاع مختلف| عاطف الطيب والوعى والقضية

إيقاع مختلف| عاطف الطيب والوعى والقضية

لا أعرف لماذا تلح على مخيلتى الآن صورة ذلك الفنان الشاب بشاربه المميز وعينيه اللتين تشعان مصرية، ولماذا تتواتر على ذهنى تلك المشاهد المميزة من أفلامه المدهشة، التى تؤكد ما تنطق به عيناه من أصالة مصرية وانغماس فى قضاياها حتى النخاع.

لم يكن صاحبنا يقف تحت الأضواء، بل كان يصنعها، ولم يكن يتصدر المشاهد، بل كان يصوغها، ولم يكن يلفق موضوعات أعماله، بل كان يفجرها، وكأنها قنابل فكرية فنية تنفجر فى وجه الزيف والفساد والمسخ الفكرى والأخلاقى والسياسى البغيض.

ذلكم هو المخرج السينمائى المدهش بحق عاطف الطيب، تتوالى أمام عينى الآن مشاهده العبقرية، وحواراته المفعمة بالمعنى، فهذا هو الكاتب الوطنى المخلص يسأل الرجل المهم فى "زوجة رجل مهم"، بعد الثامن عشر والتاسع عشر من يناير 1977: من أعطاك الحق فى احتكار الوطنية؟ ومن نصبك حكما فيمن هو الشريف ومن هو الخائن؟

وهذا هو المحامى العدمى المستهتر فى "ضد الحكومة"، وقد ارتدت إليه روحه حين وجد المستقبل كله فى خطر، فاستعاد نبرته الحقيقية، وراح يزلزلنا جميعا من حيث هو يزلزل قاعة المحكمة : "كلنا فاسدون، لا أستثنى أحدا".

وهذا هو "البرىء" الذى تتكشف أمامه الحقائق عارية، بعد أن عاش يصدق كل ما يسمع، فيدرك ـ مصادفة ـ الفارق المذهل بين الشعارات والحقائق، ويتحول هو ذاته إلى قنبلة.

وهذا هو "سواق الأوتوبيس" وقد رأى أنه عاد من الجبهة بعد الانتصار المعجز ليجد عمره كله يسرقه الأفاكون واللصوص والمدعون.

وهذا هو السجين الذى خرج من سجنه الطويل الظالم، ليجد وصمة العار تلاحقه، بينما من سرقوا نضاله وعمره يؤسسون إمبراطوريات المال والنفوذ، فلا يجد أمامه إلا أن يتحالف مع الضابط الشريف وزميله النبيل وولية الدم ليشكلوا معاً "كتيبة للإعدام".

وهذا هو الضابط الصعيدى البسيط المستقيم، يجد نفسه فى الخندق ذاته مع الهارب الذى يحاول أن ينتقم لعمره وشرفه اللذين سلبا، فكلاهما (الضابط والهارب) قد صارا ألعوبة فى يد زميله الذى أصبح رئيسه، والعائد تواً من الغرب محملاً بألاعيبه الكريهة، والذى يجعل من "الهروب" لعبة سياسية محكمة.

لا تشعر أبداً أنك جالس أمام شاشة عاطف الطيب من أجل التسلية، ولا يتحول الفن لديه أبداً إلى مخدر لتغييب العقل ومنح النفس متعة وهمية كاذبة، بل هو يوقظ فيك العقل والوعى والضمير، ويبسط أمامك جوهر الهم الوطنى أو الاجتماعى بنفاذ فى الرؤية، وإبهار فى التعبير، فالليالى عنده ساخنة الفكرة لا الرغبة ، والحب غايته التى لم تعد متاحة حتى فوق هضبة الهرم، وكأن الركب كله يسير فى قلب الليل.

لا أعرف لماذا تداعى هذا كله إلى مخيلتى الآن، فهل تعرف أنت؟!
-------------------------
بقلم: السيد حسن


مقالات اخرى للكاتب

جِيل من الصور الطلِيقَة